السموأل الشفيع

سيناريست ومنتج تلفزيوني وناقد سينمائي من السودان

Name:
Location: الخرطوم بحري, الخرطوم, Sudan

استاذ الكتابة والدراسات الابداعية سيناريست ومنتج تلفزيوني وكاتب.

Thursday, December 21, 2006

شيفرة دافنشي ... كيف سرقت الوثنية رواية عظيمة

في مطلع الألفية الثالثة، ومع كل الانجازات البشرية في العلوم والتقنية والاتصالات والسيطرة الظاهرة على الطبيعة لا يزال الدين، كما كان من قبل، أهم قضية يمكن أن تشغل الناس في كل أنحاء العالم. إن فيلم شيفرة دافنشي لا يعدو أن يكون واحداً من الكثير من الأدلة التي تقدمها السينما وحدها، فقبل عامين فقط أنتج ميل غيبسون، من ماله الخاص، فيلم آلام المسيح الذي أثار جدلاً كبيراً في جميع أنحاء العالم وهيج مشاعر المسيحيين وألهب حماستهم، وأغضب اليهود بدرجةٍ ما وعاد على صاحبه باكثر من 250 مليون دولار تساوي عشرة اضعاف التكلفة الاساسية للفيلم.

أما الأفكار التي تتعلق بالدين والإيمان فإنه يتم تناولها بشكل مستمر في كافة القوالب الفنية كما رأينا في "بروس بالغ القدير" Bruce Almighty الذي يجسد فيه جيم كاري شخصية بروس الفاشل والمتذمر دائماً من الأقدار، الى حد ان الرب يستدعيه ويناقشه، ثم يمنحه صلاحياته الكاملة لعدة أيام لِيَرَى بروس بنفسه إن كان يستطيع إصلاح حاله بيده أكثر من الرب. إن هذه الفكرة بالغة الجرأة لكن ما دونها تناقشه الكثير من الافلام، و يمكننا أن نتوقع المزيد من هوليوود في السنوات القادمة.

الرواية :-

((جمعية سيون الدينية(1) هي منظمة حقيقية .... إن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق والطقوس السرية في هذه الرواية هو وصف دقيق وحقيقي)).

بهذه العبارات المثيرة للقلق يقدم دان براون لروايته المدهشة والمزعجة في آنٍ واحد. وبطول الرواية التي تقارب صفحاتها الخمسمائة صفحة (حسب النسخة العربية من الدار العربية للعلوم – بيروت، لبنان) تغمرك التفاصيل المدهشة للطقوس والعبادات والمعلومات التاريخية والمعمارية والوصفية التي لا بد أن جمعها استغرق وقتاً طويلاً من دان (وزوجته التي هي مؤرخة في الفن ورسامة) واستوجب شكراً جزيلاً لمؤسسات متعددة ثقافية وفنية ومتاحف ومحطات إذاعية في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وأفراد ينتمون لمؤسسات دينية عديدة.

إن الاعتماد على الكثير من الحقائق كأساس لرواية خيالية هو أمر مقلق جداً، وخصوصاً إذا كانت الخلاصة مفارِقة لكل المسلمات والمعتقدات. أثناء القراءة، دائما،ً يتبادر السؤال وفي كل جزئية أين تنتهي الحقيقة ويبدأ الخيال. الحقائق والخلاصة هي ما حدا بمؤسسات دينية كنسية للمطالبة بحظر الرواية في الدول التي يمكن أن تفعل ذلك (ليس في أمريكا وفرنسا على كل حال)، وشُنَّت حملات مضادة على الراوي والرواية، وتم تأليف عدة كتب في الرد على ما جاء فيها، أبرزها حتى الآن "الحقيقة وراء شفرة دافنشي"(2)، "وحل شفرة دافنشي"(3)، و"الحقيقة والخيال فى شفرة دافنشي"(4). أما المقالات فهي تملأ الصحف والمجلات والدوريات ومواقع الانترنت بكل اللغات. والردود جاءت من قساوسة ارثوذوكس مصريين وغيرهم في المنطقة.

تُرجمت الرواية الى 44 لغة وبيعت منها أكثر من ستين مليون نسخة تقريباً (حتى مارس 2006)، وتم حظرها في بعض الدول العربية والاسلامية منها مصر ولبنان والأردن وإيران (بطلب من الكنائس المسيحية).

لكن الأهم هو أن الرواية في حد ذاتها مشوقة جداً، وإذا اعتبرناها مدهشة في الكم الهائل من التفاصيل الفنية والتاريخية والمعمارية والطقسية الذي ترويها، وعلى مهل، فإن التشويق الحقيقي هو أهم ميزات الرواية وهو الأمر الذي حفز الملايين لقرائتها.

إن دان براون نفسه لم يكن روائياً مشهوراً قبل "شفرة دافنشي"، لقد كان روائياً جيداً فحسب. لكن الحرفية العالية التي أظهرها في هذه الرواية تؤكد على موهبته ومقدراته العالية كراوي لكن ليس بالضرورة أن يكون في مصاف الروائيين العظام. إنه راوي بارع في فن الرواية البوليسية (تجاوزاً) وشفرة دافنشي ترفع من شأن هذا النوع الروائي بنجاحها الكاسح، والذي من جهة اخرى عاد بالمزيد من المبيعات لروايات دان براون السابقة والمزيد من التقدير له (وأيضاً المزيد من الافلام المقتبسة عنها).

إذا كنت مثلي ممن يستمتعون بالعمل الفني باسترخاء كامل ولا يُقلقون أنفسهم بتوقع مسار الأحداث، وليست لديهم رغبة في اتخاذ موقف أو البحث عن فكرة مسبقة، فإنك ستستمتع كثيراً بكل المنعطفات التي تزخر بها الرواية من الفصل الأول وحتى الصفحات الاخيرة. وإذا كنت من الآخر الذي يستمتع بتوقع الأحداث فاستعد لمواجهة الكثير من المفاجآت والمنعطفات.

عن أي شيء تحكي شفرة دافنشي:-

يمكنك أن تعتبر الرواية مجرد قصة بوليسية عن عالم رموز يكشف ملابسات مقتل القيم على متحف اللوفر كما يحكي ملخص القصة، لكن هنالك فكرتان جوهريتان تدور حولهما الرواية، الفكرة الأولى تقول أن الكنيسة شوهت الديانة المسيحية بعدة أمور:-

1. منها تأليه المسيح ونفي الصفة البشرية عنه.

2. ومنها التأثر بالعبادات والرموز والطقوس الوثنية التي كانت غالبة في روما وما حولها أيام إقرار الامبراطور قسطنطين المسيحية ديناً رسمياً للدولة في العام 325م، هذا الجزء هو الذي يحصل على أكثر الشواهد من الحقائق التاريخية والمعمارية والفنية والطقسية (وهذا الجزء مع قضية زواج السيد المسيح من المجدلية ربما يكونان السبب الرئيسي وراء حملة الكنيسة عليه).

3. ومنها أن الكنيسة هضمت دور المرأة في الدين وفي الحياة، ثم أقصتها تماماً بل واتخذت مواقف سلبية تجاهها إذ حملتها عبء هبوط أو طرد آدم من الجنة ومعاناة البشر بعد ذلك واعتبرتها رأس كل شر وهذا (حسب الرواية) لم يكن أصيلاً في المسيحية التي تظهرها على الأقل الأناجيل الغنوصية (Gnostic) التي رفضتها الكنيسة رفضاً تاماً مثلما فعلت مع عدد آخر من الأناجيل.

الفكرة الجوهرية الثانية ذاتُ صلةٍ بالأولى، فموضوعها أيضا هو المرأة وبالأصح (الأنثى المقدسة). الرواية تقول أنه في تاريخ الانسانية القديم، والوثني بالأخص، وجدت المرأة، بسبب أنها تمنح الحياة بالولادة، تقديراً كبيراً وصل درجة التقديس في بعض المجتمعات القديمة. الأنثى المقدسة مفهوم وثني قديم ومعروف وتوجد شواهد عنه في عدة مجتمعات قديمة في الشرق والوسط (في الهند ومصر القديمة على سبيل المثال).

إن الانتقاص من قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع هو أمر حدث لاحقاً، أي بعد المسيحية، والجهة صاحبة الجهد الأكبر في التقليل من قيمة المرأة هي الكنيسة (المؤسسة الرسمية للمسيحية) التي اتحدت روحها الذكورية مع التخلف السائد في أوروبا أوان اعتناقها المسيحية في القرون الميلادية الاولى. تقول الرواية أن الكنيسة أحرقت وأغرقت وأعدمت خمسين ألف إمرأة بدعوى الهرطقة في حملة واحدة لإكمال السيطرة على النساء.

لكن لا يجب ان ننسى أهم موضوعات الرواية على الإطلاق، ليوناردو دافنشي الذي تحمل الرواية اسمه. إن دافنشي هو بحسب الكثيرين أهم فناني عصر النهضة في أوروبا، هذا الرجل الذي يعرفه اغلب سكان البسيطة بلوحته الأشهر، الموناليزا، يعرفه المسيحيون بصورة خاصة بلوحته "العشاء الاخير" التي رسم فيه السيد المسيح وحواريه في اللحظات التي سبقت القبض عليه، ويعرفه أهل الفنون برسوماته الاخرى الكثيرة، "عذراء الصخور" واسكتش الرجل الفيتزوفي (رجل يمد يديه الى اقصاهما وتحيط به دائرة)، ويعرفه أهل العلوم بتصميماته المتقدمة على عصرها والجريئة للطائرة والغواصة والدبابة. تزين لوحات دافنشي مواقع كثيرة كنسية وفنية وغيرها لكنه رجل يثير الكثير من الجدل أيضاً بسبب مقدراته الفنية وبسبب حياته الخاصة. كان دافنشي معروفاً بالعبقرية والفسق والشذوذ الجنسي، ورغم ذلك تشكل اللوحات الدينية عن السيد المسيح والسيدة العذراء تراثه الفني الاهم، وتشكل غالبيتها والموجودة بمتحف اللوفر ثيمة أساسية تتنقل بها أحجية القصة الرئيسية.

الإشكالية :-

هنا نصل إلى إشكالية الرواية. فهي تتهم المسيحية بأنها غارقة في وحل الوثنية وفي بحر التزييف، ويسعى أبطال الرواية (الذين يؤازرون أخوية سيون – دير صهيون) إلى كشف حقائق مخيفة ومخفية من ألفي عام، لكن الأخوية لا يبدو أنها تهدف إلى الوصول إلى المسيحية النقية وإنما إلى الوثنية النقية. إن المفارقة الأكبر هي أن ذرية المسيح "عليه السلام" من مريم المجدلية (كما تقول الرواية) والتي تعيش حتى الآن في شخص جاك سونير لا تمارس المسيحية النقية وإنما تمارس العديد من الطقوس الوثنية مثل ييروس غاموس، وهو طقس وثني جنسي مورس آخر مرة قبل ألفي عام أي قبل المسيحية نفسها، ولعل هذا يبين أن الجماعة لا تنتمي للمسيحية وإنما تنتمي في الأصل للأديان الوثنية القديمة. إن الجماعة التي تحتج على وثنية الكنيسة هي أكثر وثنية من الكنيسة بكثير.

الموقف الثاني هو أن دان براون استغرقته تفاصيل الطقوس والعبادات، الوثنية بالأخص، وأسرته الى حد أنه سلبت منه الرواية التي كان يريد حكايتها. لقد تورطت سلاسلة المسيح عنده بالوثنية إلى حد لا يمكن أن تتعاطف بعده معها، خصوصا أنها مفارقة للكنيسة المتورطة أيضاً في الوثنية، والتي تطارد أفرادها عبر التاريخ إلى حد القتل.

أين يقف دان براون:

بعد كل هذا الهجوم المعلوماتي التاريخي العنيف على الكنيسة ووثنيتها (حسب الرواية) لا يقف دان براون ضد الكنيسة إطلاقاً، أو ربما لا يجرؤ على الوقوف ضدها. عموماً ليس من الجيد أن تحلل شخصية الكاتب، أو موقفه، بناء على شخصيات رواية من رواياته. لكن هذه رواية تتحدث عن الدين الذي يعتقده الرجل نفسه وتعتمد في اتهاماتها له على حقائق ومعلومات تاريخية موثقة ، فلا بد للرجل أن يقف في مكان ما.

برغم تعاطفه الواضح مع الجمعية السرية (صوفي وسونير) في سعيهم وراء الغريل المقدس، دماً كان أو كأساً، فإنه يتعاطف بدرجة أكبر مع الشخصيات المسيحية المتدينة فالقس "أرينغاروزا" هو رجل يسعى إلى إعادة الكنيسة إلى المسار الصحيح الذي ضلت عنه بتنازلاتها المستمرة، ولعلك تشعر بالتقدير الكبير له وهو يسعى لتخليص الكنيسة من عبء جمعية دير صهيون. وفي النهاية خرج من كل المشكلات التي حدثت جراء سعيه المحموم وراء الجماعة، ولم ينس أن يتبرع بأموال الفاتيكان لأسر من قتلهم تابعه المخلص "سيلاس". أما "سيلاس" نفسه فقد تطهر من كل الذنوب ووصل قبل موته إلى درجة من الصفاء والسلام الداخلي مع ماضيه وحاضره قبل الانتقال إلى الرب في جو ذي شاعرية فائقة. النقيب "بيزو فاش" نفسه رجل جاد ومحترم ومتدين جداً ولم يخطئ بحق أحد حتى النهاية، إنه أكثر استقامة من القس نفسه. إن براون ليس سونير ولا صوفي ولا هو تيبينغ أو سيلاس بطبيعة الحال ولا بيزو فاش، فمن هو؟

لعل "لانغدون" هو أقرب الشخصيات إلى براون الكاتب، فهو رجل علم محترف ومحايد تقريباً، إنه يتكلم عن الوثنية أو المسيحية من ناحية الحقائق والمعلومات المجردة ولكنه يظهر الكثير من التقدير للقديم الوثني. ومثلما خر لانغدون راكعاً على ركبتيه عند مرقد المجدلية في النهاية، يبدو أن دان براون خر راكعا اما باب الكنيسة (مجازاً) ليعقد صفقة صلح مع الكنيسة.

الفيلم :-

حشدت كولومبيا بيكشرز للفيلم أفضل ما يمكنها لتتأكد من نجاحه. فقد وظفت لمهمة الاخراج رون هوارد المخرج الكبير والمعروف والذي فاز بجائزتي اوسكار لافضل فيلم وافضل مخرج عن فيلم "عقل جميل" سنة 2001م وشاركه في جائزة أفضل فيلم المنتج بريان غريزر الذي يشاركه انتاج شفرة دافنشي. وله مع هانكس فيلم "ابولو 13" في عام 1995 وكان هو أول من منح هانكس دور البطولة في فيلم سبلاش عام 1984، وهناك أيضاً أعمال أخرى مميزة وحائزة على جوائز أخرى من مهرجانات في مناطق مختلفة حول العالم. حجز دور البطولة للمثل الكبير توم هانكس فاز من قبل باوسكار أفضل ممثل لمرتين متتاليتين (1993-1994) وكانت هذه هي المرة الثانية فقط في تاريخ الاوسكار بعد سبنسر تريسي (1937-1938). أما دور الفرنسية صوفي فلم يكن أحد ليؤديه أفضل من أودري توتو ، الحائزة على جائزة سيزار (الجائزة الفرنسية الموازية للاوسكار) لافضل ممثلة واعدة في العام 2000 قبل ان تنال ترشيح افضل ممثلة عام 2002 و 2005.

دور بيزو فاش نقيب الشرطة القضائية الفرنسية المحترم والجاد والصارم اوكل للمثل الفرنسي الكبير جان رينو الحائز على ثلاثة ترشيحات لجائزة سيزار، وجائزة افضل انجاز اوربي في السينما العالمية عام 2000 من مهرجان الفيلم الاوروبي.

مهمة التأليف الموسيقي أوكلت للمؤلف الموسيقي الكبير هانز زيمر الذي نال ستة ترشيحات اوسكار وفاز منها بواحدة. أما جائزة الجمعية الامريكية للمؤلفين والناشرين الموسيقيين فقد فاز بها للسنوات الخمس الماضية عن أفلام ناجحة في شباك التذاكر (قدم لنا من قبل المصارع وقصة قرش وسقوط الصقر الاسود والساموراي الاخير).

أوكلت مهمة كتابة سيناريو الفيلم الى اكيفا جولدسمان الذي قام من قبل بكتابة سيناريو افلام : "الرجل السندريلا 2005" و"أنا روبوت 2004" و"عقل جميل 2001" الذي اخرجه رون هوارد.

يمكننا أن نقول أن التوقعات لم تكن لتكون أعلى مع وجود هذا الفريق. ويمكننا ان نقول هذا هو السبب وراء عدم حصول الفيلم على التقدير الكبير الذي كان يتوقعه الجميع، فالرواية رفعت من سقف التوقعات إلى مستوىً عالٍ جداً فهي مشوقة جداً وخلابة، وكولومبيا نثرت كنانتها ورأت اصلبهم عوداً ورمت به.

في الطريق :

بدأ تصوير الفيلم في 8 يوليو 2005 وتم التصوير بالأساس في فرنسا وانجلترا وصورت القلاع في اسكتلندا وبعض المناظر في مالطا. وبعد عشرة أشهر تقريباً في يوم 17 مايو 2006 بدأ عرضه الافتتاحي في السينما في عدد كبير من دول العالم من بينها عدة دول عربية هي البحرين وعمان والامارات وقطر (وهي دول لا يوجد بها مسيحيون تقريباً) وسوريا (وهي بلد منفتح جداً ثقافياً) وفي إفريقيا نيجريا وكينيا وجنوب افريقيا (الافارقة ليسوا حساسين تجاه السينما كما أن الأديان التقليدية فيها واسعة الانتشار ربما إلى حد التاثير في المسيحية والاسلام).

بلغت تكلفة انتاج الفيلم نحو 125 مليون دولار تقريباً وهي ميزانية كبيرة ولكنها ليست ضخمة. ان الفيلم ليس بحاجة الى أعمال كبيرة في المؤثرات الخاصة وهي التي صارت ترفع تكلفة الافلام بصورة رئيسية، كما ان توم هانكس ليس من الممثلين المغالين في اجورهم رغم انه يتقاضى اجر ممثلي الفئة الاولى التي تبلغ نحو 20 مليون دولار. لكنه يمكن ان يشارك في اي فيلم بغض النظر عن الأجر، وهو عمل في فيلم Catch Me If You Can مجاناً لصداقته الخاصة لسبيلبيرغ.

في العرض الافتتاحي، عطلة نهاية الاسبوع، حقق الفيم أكثر من مائة مليون دولار في خمس دول فقط (وهذا رقم كبير يضعه في مصاف الافلام الضخمة)، وبلغ دخله حتى 9 يوليو 2006 اكثر من 270 مليون دولار.

لكن ماذا عن الفيلم ؟

تسمى عملية تحويل رواية إلى فيلم بـ"معالجة سينمائية" للرواية فليس كل ما يكتب بالضرورة يمكن تحويله إلى صورة، كما أن التحدي المهم هو تحويل رواية تتكون من خمسمائة صفحة إلى فيلم معقول. يمتد وقت الفيلم الى ساعتين وثلث وهذا انجاز كبير.

في البداية لا بد أن نشير إلى أن هنالك مشكلات تواجهها كل الأفلام المقتبسة من روايات، وتبرز الأسئلة : هل سيكون الفيلم في جودة الرواية أم لا؟ هل سيلتزم حرفيا بالرواية أم سيكون اقتباساً عاماً يأخذ روح الرواية ولا يلتزم بالتفاصيل؟ هل وهل ...؟ هل سيكون الالتزام بالرواية هو سر النجاح، كما حصل في بعض الافلام، ام سيكون سبب الفشل، كما حصل في بعض الافلام؟

هذه اسئلة تقلق كاتب السيناريو والمخرج لكن الأمر المخيف فعلاً أن الجمهور يعرف القصة سلفاً ولا بد أنه رسم في مخيلته الصور الخاصة به أثناء القراءة. وهكذا فإن مشاهدة الفيلم هي ليست عملية استمتاع مجرد لكنها تتضمن بدرجة كبيرة محاكمة أو مقارنة بين الكتاب والصور التي رسمها القارئ والفيلم. عليه يبدو تقدير نقاد وزوار موقع imdb للفيلم (6.5 من 10) دليلا على جودة الفيلم أكثر منه انتقاصاً له.

لا شيء مختلف في الفيلم عن الرواية، بالتأكيد لا تفاصيل إضافية وإنما اختصارات اقتضتها ضرورة التحويل/المعالجة. توم هانكس في دور "روبرت لانغدون" قدم بدرجة كبيرة الأداء الذي تتوقعه منه، إلا إذا توقعت شيئاً خاصاً فوق العادة. وبرغم تحفظ البعض على انسجام هانكس وتوتو كبطلين، فلا يجب أن ننسى أن هذه هي المرة الأولى التي يتقاسما فيها بطولة فيلم، وقد نجحا في الحقيقة بانسجام مقدر. أودري توتو، أشهر الممثلات الفرنسيات الشابات، قدم أداء مميزاً خصوصاً أن الفيلم أمريكي ومع طاقم أمريكي وفوق ذلك كان عليها أن تتحدث الانجليزية باللكنة البريطانية. نجح الانجليزي الشاب بول بيتاني بشكل مميز في أداء دور سيلاس المستميت في تنفيذ أوامر معلمه. أما الانجليزي الآخر والأشهر ايان ماكيلين (المعروف أكثر بتجسيده شخصية غاندالف في فيلم سيد الخواتم 2001، والذي نال عنه ترشيحا للاوسكار) فقد بث حيوية غير عادية في دور لاي تيبينغ المؤرخ المهووس. هانز زيمر قدم أداء رفيعاً في التأليف الموسيقي يوازي الرواية نفسها. التصوير والمشاهد أنجزت بشكل فائق ومميز صار معه الفيلم يسر الناظرين.

خاتمة:

الكتاب جدير بالقراءة والفيلم جدير بالمشاهدة ليس بسبب التشويق والمتعة الفنية فحسب، وانما ايضا لانهما، بشكل ما، يحثان الانسان على التفكير والنظر فيما يعلم ويألف من الأشياء مهما كانت درجة اليقين والمعرفة أو الثقة ومهما كانت درجة قدسيتها. الرواية تقول لنا وبجرأة كبيرة أن ما نعلمه من أشياء بدرجة اليقين ربما يكون غير صحيح تاريخياً على الأقل. إن إعادة النظر والتفكير لا تعني بالضرورة بطلان ما تعلم أو تعتقد، لكنها ربما تختبر اعتقادك وتثبته في النهاية. قال مسيحيون متدينون أنهم شاهدوا الفيلم ولم يهتز إيمانهم أو اعتقادهم فالفيلم في النهاية ليس عمل تبشيري مضاد وإنما عمل فني للمتعة الذهنية بالأساس. عموماً ليست كل الأمور في حقيقتها مثل تبدو عليه في الظاهر.

هوامش :-

* كاتب سيناريو وناقد سينمائي.

(1) بالانجليزية Sion Priory و ترجمتها الصحيحة هي جمعية دير صهيون.

2. The Truth Behind the Da Vinci Code: A Challenging Response to the Bestselling Novel by Richard Abanes

3. De-Coding Da Vinci: The Facts Behind the Fiction of The Da Vinci Code, by Amy Welborn

4. The Da Vinci Code: Fact or Fiction (Mass Market Paperback)

by Hank Hanegraaff, Paul L. Maier

ملاحق :-

1. للمزيد من المعلومات عن الكاتب ورواياته الاخرى (واحاجي والغاز متعلقة بها) يمكنكم زيارة موقع الكاتب الشخصي http://www.danbrown.com

2. تعتزم شكرة كولومبيا بيكشرز تحويل رواية دان براون الاخرى ملائكة وشياطين Angels and Demons (نشرت عام 2000) إلى فيلم سينمائي ويلعب الدور الرئيسي فيها روبرت لانغدون بطل رواية شيفرة دافنشي، وهي بالمناسبة قد حصلت على حقوق أي رواية قادمة يظهر فيها روبرت لانغدون.

3. تم انتاج لعبة كومبيوتر باسم Da Vinci Code واطلقت قبل الفيلم وهو أمر شائع مع الافلام التي تحمل طابع التشويق.

4. تم تصنيفه ضمن فئة PG-13 ويعني التشديد على وجود رعاية أو رقابة الوالدين مع الاطفال دون الثالثة عشرة.

5. للحصول على معلومات عن أي فيلم سينمائي او أي شخص يعمل في مجال السينما فإن المرجع الأهم على الانترنت هو www.imdb.com .

Monday, September 19, 2005

الحياة تمضي إلى مسار لا نعرفه ولا نملك أن نعرفه . في وقت ما من حياتنا يتهيأ لنا أننا يمكن أن نعرف ولكن ذلك السراب سرعان ما يزول. الامر لا يتعلق بالشأن الكلي للحياة ولكن ما أعنيه هو الحياة اليومية التي نحياها ونمارسها.

أحيانا يبدو الأمر مقلقاً لنا، تتغير الاهتمامات والمشروعات وحتى الأفكار، دائماً تتغير، لكن ماذا لو استمتعنا بالحياة بهذه الطريقة.

الحياة فعلاً هي فعل الحياة نفسه، ما يحدث يوما بيوم او لحظة بلحظة، القلق تجاه الوصول للنهايات والنجاح بالشكل الذي خططنا له يمكن ان يأخذ منا المتعة بما يحصل فعلا.

ليس بالضرورة أن نتخلى عما نريد فعله، لكن أن نتعايش مع ما يحدث بدلا عنه.

علينا أن نستمتع بالحياة وأن نحياها فعلاً.